الأربعاء، 23 أكتوبر 2013

إهداء إلى ماري

كان اليوم الأخير في منزل عائلتي .. لم يكن هناك أحد سواي والخدم .. عرفت حينها أن ساعة الصفر قد حان ولابد لي من الهرب ..
قلبي اعتصرني لكنني استجمعت قواي وجمعت باقي أغراضي على عجل قبل أن يعود والداي ..
خرجت من حجرتي لتستوقفني مدبرة المنزل ، ملاكي "ماري": ميس؟ ألا ترغبين بتناول وجبة الفطور ..
هززت رأسي بالنفي ..
وفي لحظة حرجة انهمرت دموعي كشلال صامت ولم أتمكن من منعه ..
وفي صدمة كبيرة منها سألتني: ما بكِ يا ميس ؟ لماذا تبكين ؟
قلت لها: ماري أتذكرنين عندما كنت اشتكي لكِ من من تصرفات عائلتي القاسية معي كل مرة ؟
أتذكرين عندما كنت أتذمر لك من العرسان الذين كانوا يحلون علي ضيوفا كل يوم بتوصية من والدتي ؟
قالت لي وما زالت الصدمة بادية على وجهها : أجل أذكر
وأردفت : أتذكرين يا ماري عندما قلت لكِ حينها سيأتي اليوم الذي يستيقظ فيه كل من في المنزل ولا يجدونني بينهم ..
وأكون حينها قد اختفيت من هذا المنزل ولن وأعود إليه مهما حدث؟!
رفعت حاجبيها من الدهشة وهي تقول : أذكر ، لكنني ظننت كلماتكِ ناتجة عن الغضب ليس إلا ..
قلت لها : لا يا ماري ، ليست ناتجة عن الغضب .. أنا ذاهبة إلى الولايات المتحدة ، أنا خارجة من هذا المنزل الآن ولن أعود إليه أبدا ..
دون شعور، قفزت ماري باتجاه، واحتضنتني وهي تبكي بحرارة شديدة ، لا يوجد غيرها من يفهمني ..
وكان يرى ويشعر بمعاناتي كل يوم .. بكيت وبكيت هي معي دقائق طوال ..
بعدها قلت لها : أرجوكِ توقفي عن البكاء يا ماري .. لا أريد أن يرى أحد من الخدم دموعنا ويخبر والديَ كل شيء وتفشل الخطة ..
ابتسمت بانكسار ومسحت دموعها بيديها .. وكأنها تخاف عليَ أكثر من نفسي ،
وقالت لي: اذهبي أنتِ إلا السيارة وأنا سألحقكِ بعد قليل ..
رسمتُ ابتسامة مزيفة على شفاهي ، وذهبت إلى السيارة وأدرت المحرك ..
التفتّ حولي أراقب المطبخ وسور المنزل والملابس المبللة المنشورة على حبل الغسيل ..
سأشتاق إلى كل شيء هنا .. إلى طفولة مبتورة .. ومراهقة مظلومة وكل شيء آخر ..
سأشتاق حتى إلى ذرات رمل الصحراء الملتصقة على زجاجة السيارة بين الحين والآخر .. التي كنت أتذمر منها دائما ..
انتظرت ماري ولا أدري لماذا طلبت مني أن أنتظرها .. ربما تريد أن تدون لي رقمها حتى أتصل عليها بين الحين والآخر ..
لا أدري ..
بعد ثوانِ معدودة أتت ماري ، وفي كف يدها اليمنى شيء مخبأ .. مدت يدها من خلال زجاج النافذة ..
وبدوري مددت يدي أيضا لأرى ماذا تخبئ الملاك لي .. ودهشت عندما أحسست بعملة ورقية ..
رددت يدها على عجل وقلت لها: ماري ! ماذا تفعلين ؟! لا أريد مالا سأكون بخير !
وبدأت دموعها بالانهمار من جديد وقالت : ميس أرجوكِ ألا تخذليني ، لا ترفضي أخر شيء أريد إعطاءه لكِ ..
من يعلم إن كنا سنلتقي مجددا أم لا ..
لكن تأكدي أنني لن أسمح لابنتي أن تذهب لبلاد الغربة وأنا لم أعطها شيئا بسيطا يساعدها على العيش بكرامة على الأقل ..
كلماتها طعنتني من الداخل ، تخيلت لثانية أن أسمع هذه الكلمات وهي تخرج من فاه أمي البيولوجية ، ولكن !
مددت يدي مجددا وأخذت المبلغ وأغلقت النافذة دون أن أقول لها شيئا .. في أعماق كانت كل كلمات الشكر والامتنان ..
وعينايَ تحتضناها شوقا ..
وما إن ابتعدت عن المنزل خطوات قليلة حتى خففت من سرعة السيارة وبسطت راحة يدي لأفاجأ بها وقد أعطتني راتبها الشهري كاملا !!
مقطع من روايتي الجديدة : مذكرات آثمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق