الأوضاع بدأت تسوء أكثر فأكثر ، خاصة بعد الشجار العنيف
الذي حدث مع والدتي في شهر فبراير بعيد الحب،
كنا قد اتفقنا مسبقا أنا وسارا أننا سنقضي تلك الليلة معا،
وهذا فعلا ما حصل لكن في صباح اليوم التالي ،
اتصلت علي والدتي وكانت حانقة بشكل كبير ، تتمتم بكلمات غير مفهومة ،
بين كلمة أنا أموت ، وكلمة تعالي بسرعة ،
ومن ثم تنهداتها تطغى على كل شيء، اضطررت أن أترك سارا وأعود إلى المنزل
ولم أتمكن حتى من تبديل بيجامتي، كنت خائفة أن مكروها أصاب والدتي ..
وعندما وصلت إلى المنزل ، أجدها تشاهد التلفاز وتتحدث
إلى الهاتف مع صديقة لها .. انصدمت جدا
من المشهد ، ودخلت إلى حجرتي وأغلقت على نفسي حتى أبكي بحرقة ،
كادت تصيبني بحادث سيارة من شدة الخوف وهي في الحقيقة كانت
تؤدي دورها في التمثيلية السخيفة حتى أعود إلى المنزل ..
جاءت للتحدث معي بعدها بساعة لتبرر تلك التمثيلية،
وتزيد الطين بلة بجملة : احنا ما عندنا بنات تنام برع البيت!
أنا : شو يمه ؟ صار لي أكثر من خمس سنين عادي تخليني أروح
أبات عند ربيعاتي القراب وقت ما أبي ،
ما كان شرطج ساعتها إنج تعرفين البنت عدل ؟
طيب سارا تعرفين كل شي عنها ،
مكان سكنها ومكان شغلها رقم تلفونها ، ورقم شغلها بعد ..
أمي : أيوة .. كان غلط وألحين بس استوعبت غلطتي !
أنا : من صجج انتي ؟ شو اللي تغير فجأة ؟
أمي : ما تغير شيء ، بس حتى الأهل يغلطون ،
ولما يكتشفون غلطهم لازم يصلحونه .
أنا : غلط شو يمه ! عادي يعني الأصحاب يقضون وقت سوا
.. كم مرة سارا رقدت عندنا بالبيت ، شو أقولها ألحين مثلا ؟
أمي اكتشفت غلطها، ولا تجين عندي من اليوم ورايح ؟
أمي : هي غير، هي مب من ثوبنا ، ولا من تربيتنا ،
وهي ما عندها أهل أو أصل ولا دين أساسا !
أنا : هذا رأيج بسارا يمه ؟ غريبة يعني ما قلتي هالكلام قبل،
كنتي تحبيها وتمدحيها.
أمي : وألحين قلته .. من الآخر يعني ، نومة برع البيت ما في .
أنا : تعرفين شو يمه؟ أقسم لج بهالقرآن جدامي إني من هاللحظة
ما رح أنام برع البيت ..
العلاقة تغيرت بيني وبين والدتي منذ ذلك اليوم ،
وكبرت المسافة بيننا، وأصبحت متوترة جدا..
عائلتي أيضا ضيقوا الخناق علي، أسئلة متواصلة عن كل شيء،
وانتقادات في كل لحظة.. أصبحت أنا تحت مجهر العائلة ،
تصرفاتي كلها مراقبة ، كلماتي، ملابسي، كل شيء فيني
لا يعجبهم ويستوجب التعليق.. أتعرض لتحقيق مسبق
قبل أن أذهب للبقالة لأشتري بطاطس مقرمشة وصودا..
كنت في تلك الفترة لا أرى سارا إلا نادرا ،
لأنها تعمل حتى العصر، وعندما أضطر لمقابلتها ،
سيكون لدي نصف ساعة كحد أقصى ، وطبعا في نهاية الأسبوع
أيام مقدسة لعائلتي ولا أستطيع حتى التفكير بالخروج من المنزل..
كنت أستطيع مقابلتها كل ليلة أربعاء فقط من كل أسبوع لأنني
مدعوة إلى ندوة أسبوعية لكتاب وكاتبات الإمارات،
وهذه الندوة تستغرق من ساعتين لأربع ساعات ،
وكانت أمي على علم بهذه الندوة التي ألتزم بحضورها دائما ،
وكانت فرصة ألتقي بسارا في الندوة
نتحدث قليلا دون خوف أو الاتصالات المتكررة .. أصبحت أشعر
كأنني أعيش في سجن مع والديّ وشقيقي الأكبر وأسرته
الصغيرة والخدم ، لم أكن أعمل ، ولم أكن أدرس أيضا في تلك الفترة،
والخروج إلى أي مكان هي بمثابة عمليات إنتحارية..
وأحكموا قبضتهم علي بشكل غريب.. شعور سيء عندما تشعر
أنك لم تعد تعرف عائلتك، تصرفاتهم كلها أصبحت غريبة علي تماما ،
كنت أشعر بأنني أموت في كل لحظة مئات المرات ،
لدرجة أنني لم أكن أستطيع زيارة شقيقيّ الأخرين اللذان يسكنان على
بعد دقائق من منزلنا لأن والدتي تقول أن زوجاتهما لا يستطيعان السيطرة علي.
القشة التي قصمت ظهر البعير، كانت تلك الليلة المشؤومة ،
انتهت الندوة تلك الليلة في حدود الساعة التاسعة مساء ،
خرجنا وأوصلت سارا في طريقي إلى منزلها ومن ثم كنت أتحدث معها
طوال الوقت على الهاتف وأنا أقود حتى أصل إلى المنزل..
وقبل أن أصل إليه بدقائق معدودة ، اتصل علي شقيقي الأكبر على الخط
الثاني ولم أرد عليه لأنني على وشك الوصول. وصلت إلى المنزل ،
لأفاجأ بشقيقي الأكبر واقفا عند المدخل الخارجي والشرر يتطاير من عينيه ،
أغلقت الخط مع سارا ونزلت من السيارة أتساءل ما الذي يحدث الآن ،
ولم أتمكن حتى من وضع الهاتف المحمول في الحقيبة..
سلمت عليه، وطلب مني اللحاق به إلى الملحق الخارجي حتى نتحدث ..
قلت في نفسي، خير اللهم اجعله خير .
بدأ يسألني أين كنت ؟ وردد السؤال ربما خمسة مرات،
وأنا أرد عليه بنفس الرد في كل مرة ، في ندوة الكتاب!
وتبدو الإجابة خاطئة في نظره. بعدها بدأ يتحدث عن خيبة الأمل
التي أسببها للعائلة بسبب تصرفاتي الطائشة والمشينة وجولاتي الغير مبررة،
وبدأ يردد على مسامعي أسماء صديقاتي السابقات الإماراتيات ويتساءل
لماذا قطعت علاقتي بهن، وصداقتي الحالية بفتاة مشبوهة ومسيحية
غير محجبة ، والتي ليست من ثوبنا أبدا ، لا أدري ما مشكلة هذه
العائلة والثوب ! ألإنها ليست إماراتية أصبحت مشبوهة وبغير أخلاق؟!
منطق مريض !
لم أرد عليه أبدا لأنني كنت أرد عليه في سري: "هذه وديمة الإماراتية
التي سألتني عنها، وألححت في السؤال عنها لأنها في نظرك شريفة مكة،
قطعت علاقتي معها لأنها كانت فتاة قذرة ، ترتدي قناع التدين
وفي منتصف الليل تخرج من منزلها لتقابل رجالا في مواقف المراكز
التجارية وتمارس معهم الجنس ، هي بنفسها اعترفت لي بذلك
وكانت تشجعني على تجربة ذلك ، وكانت تؤكد لي في كل مرة
ألا أقلق فحتى وإن فقدت عذريتي فهي تعرف شخصيا طبيبة ماهرة
تستطيع إسترجاع عذريتي دون أن يكتشف أحدهم الأمر،
ألأنها ما زالت عذراء صناعيا تصبح شريفة ويجب علي مصادقتها
منذ متى يرتبط الشرف بغشاء رقيق في جسد المرأة على كل حال؟
ومنذ متى يرتبط الأخلاق بقطعة ثوب أسود أضعه على رأسي؟
ومنذ متى كان الأصل يرتبط بلون جواز السفر الذي أحمله ؟ "
كانت هذه تساؤلات تدور في ذهني ، ومازال شقيقي
يتحدث عن وديمة ومكارم أخلاق وديمة ،
وأنا أهز رأسي كأنني أقتنع بكلامه هذا ..
بعدها انتقل إلى الحديث عن سارا ،
وبدأت أشم رائحة التهديد في كلماته ،
دون وعي مني تسللت أصابعي خفية إلى الهاتف النقال في يدي ،
ودون أن ينتبه ضغطت على زر تسجيل صوتي وبدأت أسجل
كل الكلمات البذيئة والتي كنت أشم منها رائحة أمي.
يسألني: لماذا لا أدعوها إلى الدخول إلى الإسلام ؟!
أرد عليه في نفسي: "شو دخلك إنت مسلمة وإلا يهودية وإلا ملحدة؟"
يسألني: طيب أبي أفهم هذي سارا عيلتها ما عندها غيرة أبدا ولا رجولة ؟
كيف إخوانها وأبوها تاركينها عايشة بشقة بروحها في بلد غريب،
هم ما عندهم كرامة أبدا؟
أرد عليه في نفسي: "اصبر علي شوي يا خوي ،
بحطك قريب بنفس الموقف وساعتها رح تلقى الجواب"
وأنهى الجلسة بهذه الجملة : من الآخر أقولج يا بنت الناس،
هذي سارا علاقتج فيها تقطعينه نهائيا، أنا متأكد مليون بالمية
إنها واحد من الاثنين: إنها عاهرة تدير شبكة دعارة في شقتها
تستقبل رجال، أو إنها سحاقية مريضة وصخة ،
وفي الحالتين أنا ما أبيج تعرفينها أبدا وإلا رح تشوفين مني شيء
ما يمكن تتخيلينه ..
تمنيت في هذه اللحظة أن أقف على رجلي وأصفعه على وجهه
على كل كلمة قذرة أساء بها إلى سارا ، لكنني تمالكت نفسي،
بكل القوة التي على الأرض أجبرت نفسي أن أحافظ على هدوئي،
قمة الضعف والمهانة أن يهان أغلى شخص في حياتك
وأنت عاجز عن الدفاع عنه.. ماذا يمكن أن يحدث لي أكثر مما يحدث الآن ؟!
لكن، هو لا يدري أن كل كلمة يقولها ، وكل إساءة ، وكل تهديد ،
مسجلة بالهاتف عندي وسأرد عليهن لاحقا ..
انتهت الجلسة بعد ساعة ونصف تقريبا ، ذهبت إلى حجرتي
وأرسلت نسخة من التسجيل إلى سارا ، بعدها اتصلت بي قلت لها في كلمتين:
سارا،
خلص،
أنا مستعدة ،
خلينا نطلع من هالبلد بأسرع وقت ممكن
يتبع