الأربعاء، 23 أكتوبر 2013

ولادة عسيرة الجزء الأول






جالسة وحدي في المقهى الشهير "Specialty’s "  

المجاور لمحطة مونتغمري في قلب سان فرانسيسكو ..

بجانبي مشروبي المفضل "كراميل فريدو" وأمامي حاسوبي المحمول ..

لازلت لا أصدق أنني هنا ، في بعض الأحيان أتساءل فعلا

ماذا كان سيحدث لو اتخذت قرارات مختلفة في العام الماضي ،

كيف كانت ستكون حياتي الآن وأين ستكون؟ بمثل هذا اليوم في

العام الماضي ، ما كنت لأتخيل أبدا أنني سأكون هنا ،

في هذا المقهى ، وهذه المدينة الساحرة التي وقعت

في غرامها فعلا .. انتهيت من العمل قبل قليل ..

ولدي حوالي ساعتين من الزمن قبل أن أكون في الجامعة

من أجل المحاضرة القادمة .. وقررت أن أقضي هذه الساعتين

وأنا أعمل على كتابة المقالة القادمة لمجلة أصوات المثلية ..

أخذتني ذاكرتي إلى منتصف شهر يناير 2012 ..

كنت قد قابلت دكتور العظام بصحبة سارا ،

وقد أخبرني أنه يتوجب علي إجراء عملية عاجلة

من أجل إزالة العظمة الزائدة في قدمي الأيمن ، وقد تقرر

موعد العملية مع بداية شهر فبراير.. بالرغم من الخوف المتوقع

بسبب العملية ، كنت أشعر بنوع من الحزن لأنني سأضطر أن

أفارق حبيبتي سارا لمدة لا تقل عن الشهر، سألتزم فيه الفراش

في منزل والديّ .. ومن يستطيع أن يلومني؟

فقد أعتدت على قضاء أغلب الوقت مع سارا ، بحكم استقلالي التام

عن عائلتي والعيش في سكن الجامعة.. ما لم تعرفه عائلتي آنذاك ،

أنني كنت أعيش مع سارا تحت سقف واحد ، وعرفت من

خلاله معنى أن تشارك من تحب أفراحك وأحزانك ..

معنى أن حياتك لا تدور حولك أنت فقط ،

بل أن لديك مسؤوليات وواجبات، اكتشفنا مزايا بعض

وعيوب بعض .. باختصار، عرفت معنى أن أعيش مع سارا ..

كنت أفكر في هذه الأيام الصعبة التي سأعيشها بعيدا عن

هذه المشاركة وهذه الحياة ، وبعيدا عن نصفي الآخر ..

سارا فهمت ما يجول في ذهني، وحاولت تهدئتي بالقول

أنها ستأتي بزيارتي كل يوم ، وتقضي أغلب الوقت بين العمل

ومنزل عائلتي .. في تلك اللحظة بالذات شعرت بأنني محظوظة،

عائلتي تعرف سارا منذ بداية علاقتنا على أساس أنها صديقة لي،

وبالرغم أنني كنت أسمع بعض الانتقادات الساخرة عنها

في بعض الأحيان ، لأنها ليست إماراتية ، ولأنها على

حد قولهم "ليست من ثوبي" لكنني كنت مرتاحة بهذه المعرفة

فقد سهلت لي الكثير الأمور التي تخص علاقتنا معا على

امتداد هذا العامين .. لكن للأسف لم أكن أعلم ما يخبئه لي القدر ..
قبل عمليتي الجراحية بساعات قليلة ، سارا كانت في منزل عائلتي،

طلبت يومان إجازة من عملها لتكون بجانبي طيلة الوقت،

ذهبنا سويا إلى المستشفى مع والدتي وخالتي، وكانت طيلة الوقت تهتم
بي أمام عائلتي بعفوية منها، ودخلت غرفة العمليات

وخرجت وهي مازالت بانتظاري .. كانت أول من رأتها عيناي

بعد أن استفقت من المخدر ، ههه حاليا أحمد الله

أنني لم أتفوه بعبارات حمقاء من أثر البنج !  

وطيلة الوقت هي معي في غرفة العناية،

وكنت كلما أريد الذهاب إلى دورة المياة، كانت ترافقني

بكل عفوية بالإضافة إلى الممرضة وتساعدني على تلبية

احتياجاتي ، كل ذلك أمام ناظري عائلتي ..
وبعد أن خرجت من المستشفى كانت هناك .. وقضيت

الليلة الأولى معها في المنزل وهي تهتم بي ،

وتساعدني على المشي ، وتبديل ملابسي ،

وإحضار الوجبات الرئيسية لي .. وفي اليوم الثاني

عادت إلى منزلها وبدأت بعدها المشاكل مع عائلتي ..

كأن اهتمامها الطبيعي بي كان مبالغا في نظرهم ،

وبدأت خيوط الشك تنسج حولي بطريقة غريبة ..

أصبحت والدتي تنتقد سارا بطريقة يومية ، وتهنيها بأقذع العبارات ،

وكأنني أصاحب مومسا .. أصبحت تهاجمني أنا أيضا وتحاول قدر

المستطاع أن تعاملني كأنني طفلة في التاسعة ..

كانت أمامها الورقة الأخيرة ، وظنت بأن العنف والتهديدات سيغير

حقيقة أنني على علاقة مع سارا أو أنني مثلية ..

هي كانت في قرارة نفسها تظنني الملاك المعصوم عن الخطأ والشذوذ ..

وأن سارا هي الوسواس الخناس الذي سلطها الشيطان لتدنس حياتي ..

فكانت تفعل المستحيل لتبعد عني هذا الشيطان وهذا الوسواس ..

لم تكن لتصدق أو لتقتنع أبدا أنني مثلية .. ربما لأنها المرة الأولي

الذي أقع فيه في غرام امرأة ..
والدتي أصبحتُ في كل لحظة أخرج فيها من المنزل ،

تمطرني أسئلة كأنني في استجواب محقق وعندما أتأخر

دقيقة بعد الساعة الرابعة عصرا ، تفجر هاتفي المحمول

بسبب الاتصالات المتكررة، وردة الفعل هذه كانت على غير العادة أبدا ..
استيقظت صباحا ذات يوم .. لأفاجأ بصديقة والدتي المقربة

وقد أتت إلى المنزل برفقة ولدها الشاب الثلاثيني ،

وبما أن التقاليد في عائلتنا تمنع اختلاط الفتاة مع أي

رجل وإن كان قريبا لها ، استغربت جدا من طلب أمي

أن أجلس معهم في الصالة الرئيسية وأتحدث مع الشاب ..

والأغرب أنه كان يسألني عن حالي وأحوالي والدراسة ،

وأنا في غاية الدهشة .. بعد أن ذهب هو ووالدته ،
تأتي أمي إليَ إلى غرفتي ويقع بيننا الحوار التالي ..

-شو رأيج بالشاب يا ميس؟ ما شاء الله عليه ولد ناس ، 

ومحترم ، ولديه عمل ممتاز و....
-شو السالفة يمه ؟ تبين تتخلصين مني بأي طريقة ؟
-لا لا .. شو أتخلص منج؟ طبعا لا ، بس يعني في

الأخير البنت مكانها في بيت زوجها وتربي عيالها ..
-أمي! أنا ما أبي أتزوج ألحين ، ومب مستعدة نهائيا ،

محتاجة كثير وقت أكون فيه نفسي وشخصيتي ..

-اشدعوى يا ميس ، ترى رح تكونين نفسج عند ريلج ..
-تتمصخرين صح؟

المفروض انتي آخر شخص يقولي هذا الكلام ..

نسيتي الموشحة الدائمة وتذمرج بسسب أبوي لأنه

ما التزم بوعده لأبوج لما قاله إنه رح يخليج تكملين

دراستج بعد الزواج؟ انتي تزوجتي يا حرام وما كملتي الإعدادية ،

وكان عمرج 15 سنة لما ولدتي ولدج البكر؟
-أيوة .. لكن الزمن تغير ..
-أرجوج يمه، ما أبي عريس الغفلة هذا ولا غيره ..

أبي منج خدمة لما يتقدم لي أي شخص مرة ثانية

إنج ترفضينه بالنيابة عني وما له داعي تخلينه يجي

مع أهله البيت أو حتى تسألينني عن رأيي ..


بالرغم من شجاعتي .. إلا أنني كنت متخوفة جدا مما

قد يحدث لاحقا ، أعرف والدتي وأعرفها أنها عندما تقرر

أمرا لا تتردد أبدا بالوصول إليه.  والذي أكد لي هذا الموضوع

أنه لم يمر يوما واحد دون أن يذكر كلمة زواج أو عريس

في المنزل .. لدرجة أنها طلبت مني التواصل مع شاب تقدم

لي في أول سنة جامعة ورفضت حينها لأنني أخبرت والدتي أنني

مازلت صغيرة على الزواج ، والآن تريدني أن أبحث عنه وأخبره

أن يعاود التقدم لي لأنني لم أعد صغيرة .. أيعقل هذا الجنون ؟

أمي أصبحت مهووسة فعلا بأمر تزويجي بأي طريقة ،

ولم تكف عن الدعاء أمامي ومن ورائي لله حتى يرسل لي

"ولد الحلال" الذي يتزوجني بأقرب وقت ممكن، وأنها تتمنى

أن تراني بفستان الزفاف قريبا .. هي لم تعلم أن الله استجاب

لدعواتها فعلا وأرسل لي "بنت الحلال" والتي تزوجتني 

بأسرع ما كنت أظن..
عندما صارحت سارا بحادئة عريس الغفلة وعن مخاوفي ،

حاولت تهدئتي وقالت أن الأمور ستكون على ما يرام،

وأن عائلتي لن تستطيع إرغامي على شيء لا أريده ..
أجبتها بأن الموضوع ليس بالسهولة التي تتصورها ..

العائلات الخليجية ليست متحضرة كعائلتها مثلا ،

ويستطيعون تزويجي رغما عن أنفي

وقلت لها: "يا سارا تخيلي مرة دخلت غرفة أمي لقيتها ماسكة

كتالوج ستائر وتقولي تعالي اختاري ستارة لبيت الزوجية !"
سارا: "ميس ، القرار بيدكِ انتي ، سنتين ونحنا نخطط نترك البلد ونساف

ر لأمريكا وانتي كنتي مترددة وتقولي أهلكِ وأهلكِ ..

ولكِ انتي مرة نهيتي علاقتكِ فيني مرة لأنكِ قلتيلي إنو 

ما فيكي تعيشي حياة مزدوجة ، وإنكِ تفضلي ترضي

أهلكِ على سعادتكِ الشخصية ، وأنا احترمت هالشي ،

وبعد شهرين رجعتي لي وقلتي إنو عشتي أتعس شهرين

في حياتكِ كلن وما قدرتِ ترضيهن لأنهم ضلوا يطلبوا أكثر، 

نسيتي هالشي يا ميس؟"
رديت: "طبعا ما نسيت يا سارا ، أصلا بعد التجربة القاسية

اللي مريت فيهم شهرين ، قدرت أخيرا أحسم الموضوع

ورحنا أنا وانتي سوا نقدم على التأشيرة لأمريكا ،

انتي عارفة إني أنا موافقة مليون بالمية إنو نهاجر،

جواز سفري أصلا عندك من يوم اللي حصلت التأشيرة،

ورفضت أطلع على سفرات كثيرة مع عيلتي بسبب خوفي

إنهم يشوفون الفيزا اللي بجواز سفري"
سارا: "خلص يا ميس ، الموضوع تحت أمركِ كليا ،

جربتِ الطريقة الأولى وما نفعت ، وأنا ناطرة منكِ

إشارة بس ورح أترك البلد بنفس اليوم لو حابة"
ميس: "عارفة يا حبيبتي ، بس أنتظر الوقت المناسب"

يتبع

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق