الخميس، 24 مايو 2012

كلمات متقاطعة !


يا جماعة حد يفهمني شو قصة أمريكا مع الكلمات المتقاطعة؟؟!

كلما أحاول أن أجد جوابا للسؤال، أضيع في دهشتي وتساؤلاتي ..

كنت أعتقد أنني وزوجتي من عشاق الكلمات المتقاطعة عندما اندثرت

هذه اللعبة منذ عقد أو عقدين .. أنا وهي ما زلنا نفرح كطفلين صغيرين ما إن تقع

عينينا على عمود الكلمات المتقاطعة في أية جريدة وإن كانت بالية ..

نبحث بسرعة على قلم حبر ونبدأ نتبارز بحلها ، كنت متيقنة أن لا أحد يفعل

ذلك غيرنا  .. حتى أنني كنت أأسف على مؤسسات الجرائد لاستهلاكها

الحبر يوميا حتى تطبع لعبة كلمات لن يتطلع عليها أحد وتكون مصيرها في

أقرب سلة مهملات بجانب قشور البرتقال والبطاطس!

قبل أسابيع من يوم سفرنا من الإمارات إلى سان فرانسيسكو،

اشترينا كتابين مخصصين لهذه اللعبة ، حتى نتسلى بها

في الرحلة الطويلة .. وأيضا لأننا لن نتمكن من إيجاد كتب عربية ..

"والله العظيم أفتقد الكتب العربية في هالبلد !!" 

المهم انقضت الرحلة الطويلة كاملة دون أن نمسك حتى أحد الكتابين !!

من فرط التعب والإنهاك والحالة النفسية السيئة

ولهذا، في يوم رحلتنا إلى كونكورد للزواج ، "عملنا حسابنا ناخذ اللعبة المسكينة معنا"

وكانت الصدمة ، إن كل ركاب الطائرة معهم كلمات متقاطعة ، الرحلة استغرقت 6

ساعات تقريبا ، ترانزيت في ولاية "أريزونا " ، وخلال ال4 رحلات ، ذهابا وعودة،،

الركاب من أمامي وخلفي ، ومن يميني ويساري كلهم يلعبون كلمات متقاطعة ، 

 كبارا وصغارا ، نساء ورجالا دون تمييز ..

بعضهم جلبوا معهم قصاصات اللعبة من الجرائد اليومية ، وبعضهم معهم كتب

مخصصة  للكلمات المتقاطعة مثل حالتنا .. وبعضهم منزلين برنامج اللعبة على جهاز

الآيباد ويحلونه ديجيتال "بصراحة أول مرة أشوف برنامج الكتروني لهذه اللعبة"

تخيلوا؟!!

بجد، كانت مصادفة مسلية ، وكنت أنا وزوجتي سعيدات بهذه المشاركة الروحية في

الكلمات المتقاطعة :)




 من الأشياء التي أثلجت صدري في هذه الولاية ، الروح المرحة الإيجابية لكبار السن

في أمريكا بشكل عام ، وفي قرية كونكورد بشكل خاص ..

شيء رائع .. شعور لا يوصف أبدا .. في كل مكان تجد كبار السن يعيشون حياة طبيعية

حياة شابة إيجابية سعيدة .. ذهبت يوما ما إلى إحدى المكتبات العامة، 

فوجدت الموظفة التي تقوم بترتيب الكتب وإعادتها إلى أماكنها بين الرفوف وهي تجر

عربة الكتب أمامها امرأة تقارب الثمانين من العمر دون مبالغة .. بالكاد تستطيع المشي

وظهرها منحني تبتسم لي وهي ترى على وجهي علامات الدهشة والحيرة وهي تظنني

ضائعة أبحث عن كتاب ما .. فتسألني "May I Help you please?"

 بالرغم أنني في الحقيقة لست ضائعة بل مندهشة من وجودها في ذلك المكان وذلك

العمل تحديدا ..

استرجعت بذاكرتي ، جدتي التي تقارب السبعين من العمر، وهي تجلس على الكنبة

المخصصة لها في الصالة، القرآن الكريم بين يديها  وتنادي بعمتي المطلقة التي تعيش

معها بعد طلاقها،  تحثها على إحضار غدائها على طاولة مخصصة لها لأنها لا

تجلس مثلنا على الأرض ، وطبعا تحضر معها وعاء صغير لتغسل يديها قبل الأكل ..

"لا تخافوا على جدتي الحبيبة، فهي خمسة وخميسة عليها لا تعاني من أي مرض ،

وصحتها ما شاء الله، تحسد عليه من بين كل أقاربنا "   لكن البروتوكل الشرقي

ينادي أن المرأة في هذا العمر يجب أن تستمتع بكبر سنها على الكرسي ولا تتزحزح

منه، وكل شيء سيأتي إليها بكل تأكيد .. هم يرونه احتراما وتبجيلا لإمرأة قضت الثلث

الأول من حياتها تربي وتنجب أطفال كل عام ، عملت في المنزل والخارج تخدم الجميع،

فلنكافئها بأن نجعلها تقضي الربع الأخير من حياتها وهي تمثال صامت في المنزل،

حالها حال الأثاث، تنتظر أن يرأف عليها أطفالها أو الخادمة بالطعام والشراب والملبس

 والأدوية  "طبعا هذه هي الصورة المثالية لكل امراة دخلت سن الخمسين"،

 تريد أن تتقاعد من العمل والتربية والتبرج ، والطلعات والأعراس، وتبدأ باستغفار ربها

ومسح ذنوب الشباب وتهيئة الزاد لعالمها الآخر الذي ستذهب إليه قريبا ،

وكأنها في شبابها ضمنت أن هذا اليوم المجيد لن يأتي ويسرقها .. وتبدأ محاضراتها

المعتادة للأحفاد بالالتزام ، حتى يكون مصريهم أجمل ما يتخيله المرء.

"يدتي حبيبتي، خلينا نعيش ونشوف الحياة مثل ما عشتي إنتي ،

حلال عليج وحرام علينا مثلا ؟"


طيب، ماذا عن جدي ؟


جدي الغالي والد أبي .. الله يديم عليه الصحة والعافية والعمر المديد .. يستعيد شبابه

بالزواج من فتيات تصغره بعقود.. لأنه على حد قوله ،  يشعر بالوحدة ، "طيب الوحدة

علاجه الزواج من بنات في عمر بناتك مثلا؟ حرام تظلمهن في هذه الحياة " 

أو ربما لأنه لم يعد يشعر أن جدتي تقوم بمطالبه كزوجة على أكمل وجه في أيامها

الأخيرة معا. من يعلم؟




بصراحة لم أعد أفهم سبب هوس بعض الرجال بالزواج بعد سن الخمسين ،

أهي المراهقة المتأخرة ؟ أم محاولة يائسة مثيرة للشفقة لاستعادة أمجاد سابقة،

وشباب مزيف لم يعد له وجود؟
  
لن أظلم كل الرجال ، بعضهم يعيش وفيا ، يعيش في إطار عمره الحقيقي ولا يبالغ،

مثلا جدي والد أمي، توفيت زوجته قبل عشرة أعوام ، وما زال يعيش على ذكراها ،

لكنه يعيش في عالم آخر، عالم من الكآبة والوحدة والبؤس واليأس من الحياة ..



تغلبني دموعي عندما أرى الحزن في عينيه ، حزن العالم بأسره ، وكأنه في كل لحظة

ينادي عزرائيل ليخرجه من هذا العالم الظالم ، الأسود .. يعيش على الهامش، ينتظر هو

دوره لكي يزوره أحد أبنائه لكي يعطف عليه بكلمة ،

لدرجة أنهم أصبحوا يتناوبون في استقباله في منازلهم، حتى لا تقتله الوحدة ،

كل شهر يقضيه عند أحدهم، وبالرغم أن أبنائه وأحفاده حوله دائما ،

إلا أنه يعيش غربة دائمة وسواد تقتل الناظر إليه ..

وكأنه بنى لنفسه سجن من خيوط وهمية يقتات عليه..



"ما الأمر يا جماعة الخير؟ يعني حنا العرب  ما نعرف الوسطية ؟

يا نعيش شبابنا بزيادة، يا نقعد نطق باب المقبرة نقوله تعال خذنا واللي يسلمك؟ 

مفرطين دائما لأبعد الحدود ..




أحببت ما رأيته هنا ،  كبار في السن مستقلين بذاتهم ، لا ينتظرون معروفا من أحد.

 يعيشون حياتهم لحظة بلحظة، تجدهم في كل مكان المراقص والمكتبات والحدائق ،

ترى الأمل في أعينهم ، يقرأون يتعلمون ، يضحكون ، لا شيء يموت أبدا داخلهم ..

القرية التي تزوجنا فيها أنا وحبيبتي تعتبر من القرى الذي يعتبر أغلب سكانه

من كبار السن ،، طوال فترة إقامتنا هناك لم نر طفلا واحدا ، حتى أثناء السفر، كبار

السن مسافرين وحدهم، وهم في أبهى حلة ، يقرأون ويستمتعون بالنبيذ!

المطاعم والمكتبات والمحلات يديره أشخاص فوق الخمسين ، تقاعدوا من عملهم ،

وانتقلوا للضاحية ليعيشوا في الصباح على الأعمال التطوعية والوظائف المتوافرة ..

مكتب التزويج "Concord Town House" أغلبهم كبار السن ، وفي المساء ..

ما أجمله من مساء .. يستمتعون ، يعرفون كيف يستمتعون بكل لحظة ..

انظروا إلى هذه الصورة ، هذه كانت ليلة زواجنا ، صادف أنهم أقاموا حفلة

جاز في بهو الفندق، وبما أن زوجتي من عشاق الجاز، قررنا حضور الحفلة ،

وصعقنا عندما رأينا الفرقة الموسيقية بأكملها كبار سن فوق الستين سنة كما هي واضحة

في الصورة، حتى الحضور كلهم كبار في السن، كنا وزوجتي أصغر اثنين بالحفلة ،

وكأننا قادمين من كوكب آخر والمغنية أيضا تبدو في عمر جدتي  الحبيبة ، لا واتضح في

نهاية الحفلة أنها زوجة عازف الجاز في الفرقة.. وقاما بتقبيل بعضهما بحرارة بعد

 انتهاء الحفلة..




ألا تبعث هذه الصورة بالحياة؟ بالسعادة والأمل ؟!

شعور جميل جدا أتمنى أن أعيشه وأصل إليه يوما ما ، مع زوجتي الحبيبة طبعا ،

أريد أن أعمر معها ، أستمتع بالحب والسعادة في كل لحظة من حياتنا ..

ولا ينطفئ هذا اللهيب ، وهذه المشاعر في أنفسنا ..

والأهم، ألا ينطفئ رغبتنا في الحياة والحب حتى آخر لحظة من عمرنا ..

وأن أواظب دائما على النظر إلى عينيها مباشرة وأقول لها : زوجتي أنا أحبكِ ،

 وسعادتي هي دوما معكِ!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق