الأربعاء، 13 يونيو 2012

القصة الثالثة: على الطريق



القصة الثالثة: على الطريق


قسوة... ضياع .. في الحقيقة .. لست أدري .. كل ما أعرفه أنني في أوج ضعفي .. في قمة حزني ويـأسي .. تدمرني الذكريات من الداخل ..تجعلني هشة منذ ذلك اليوم الذي خرجت فيه كصاروخ مندفع وسقطت بكل قسوة على قارعة الطريق .. أصبحت منذ تللك اللحظة حبيسة هذه البقعة بالذات ولا أقوى على الحراك بوصة واحدة .. أشهد شروق الشمس وغروبها .. أشهد الأيام الجافة والمطيرة .. أصبحتُ من تلك الساعة أداس على الأقدام المتعجلة كل خمس ثوان .. تهرع إليّ أفواج الحشرات..وسرعان ما تبتعد عني بنفس السرعة التي أتت بها .. لا أدري إن كنت نتنة الرائحة أم لا. لأنهم لم يسمحوا لي أن أتحدث معهم مطلقا، فلم أتعرف على أحد أبدا كل تلك المدة ، لكنني على الأقل، استطعت أن أحفظ ماركات عجلات السيارات وكل وسائل المواصلات التي تمر على هذا الطريق .. أصبحت الآن أعرف نوع السيارة، وأخمن حالة المادية للسائق من خلال عجلات مركبته، ومعرفة جنس السائق وحالته النفسية التي تبدو واضحة من طريقة قيادته والتحكم بتلك العجلات .. أيضا أصبحت بارعة في معرفة أنواع مختلفة من الأحذية..

رغم صغر حجمي إلا أنني أستوقفت الكثيرين ممن يمشون بخيلاء ويلاحظون وجودي. البعض يقرر أن يخطو بعيدا عني حتى لا ألتصق بحذائه الجديد أو الملمع بأناقة ، لا يحبون أن أعيق مشيتهم وخطواتهم.. وبعض السيدات تمشين رافعات فساتيهن أو عباءاتهن باهضة الثمن حتى لا أوسخها.. الغريب أنني لم أجد حتى الآن من يتجرأ أن يأخذني من تلك البقعة .. هو سيحملني بكل تأكيد بواسطة محرم ورقي ليحمي يده المعقمة بعناية ويرميني بأقرب سلة مهملات .. الحق أنني فعلا لا أبالي ، فبالرغم من قذارة المكان كما سمعت من ثرثرة المارة .. إلا أنه سيكون أفضل من المكان الحالي .. على الأقل لن أرى آلاف المخلوقات التي لا تراني أو تتصرف كأنها لا تراني .. على الأقل سأعرف كل من يشاركني تلك البقعة وسيتسنى لنا مع الأيام أن نتآلف .. هنا، أشعر بأنني مركبة فضائية معطلة في أحد المجرات السماوية وأصبحت ساكنة بين السماء والأرض .. أو بين الشمس والقمر .. والكون المجهول يسير من حولي بسرعة فائقة .. والكواكب تتطاير فوق رأسي .. سئمت من هذا المكان .. سئمت من المجهول ..سئمت من التخمين عن أشياء أجهل حتى أسمائها الحقيقية .. سئمت من التواجد في غير مكاني الطبيعي .. ومن عدم تلائمي وتأقلمي .. وكأنني قطرة زيت سقطت في قعر ماء ..سئمت من أن أشعر بالخوف في كل ثانية حتى لا أداس على مئات الأقدام .. سئمت من أن يتجنبني الآخر وكأنني وباء .. أريد مغامرة أخرى .. حياة جديدة .. أشكالا مختلفة ..ترى الملاك الموقر الراقد بداخلي .. أريد أن أمتلك مملكتي الخاصة شعبها من يؤمن بي وبقدراتي الخارقة في زرع الحياة من جديد .. في تحقيق الأحلام الخرافية .. سئمت جدا أن أكون لا شيء .. لا يعقل أن الحياة أوجدتني فقط كي أكون مرمية على قارعة الطريق ..

جودي أبوت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق